خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : فضل إغاثة المكروبين
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فضل إغاثة المكروبين ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 28 ربيع الأول 1445 هـ ، الموافق 13 أكتوبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 أكتوبر 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : فضل إغاثة المكروبين :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 أكتوبر 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : فضل إغاثة المكروبين ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 أكتوبر 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : فضل إغاثة المكروبين ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 13 أكتوبر 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : فضل إغاثة المكروبين : كما يلي:
أولًا: الحثُّ على إغاثةِ المكروبين.
ثانيًا: إغاثةُ المكروبين صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ.
ثالثًا: دعوةٌ إلى إغاثةِ المكروبين.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 أكتوبر 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : فضل إغاثة المكروبين : كما يلي:
خطبة بعنوان: فضلُ إغاثةِ المكروبين
بتاريخ: 28 ربيع الأول 1445هـ – 13 أكتوبر 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: الحثُّ على إغاثةِ المكروبين.
إنّ إغاثةَ الملهوفِ وإنعاشَ المكروبِ وإعانةَ أهلِ الحاجاتِ سلوكٌ إسلاميٌّ أصيلٌ، وخلقٌ نبويٌّ قويمٌ، تقتضِيه الأخوةُ الصادقةُ، وتدفعُ إليه المروءةُ ومكارمُ الأخلاقِ.
وقد كانت حياةُ نبيِّنَا مُحمدٍ ﷺ خيرَ مثالٍ يُحتذَى به في كلِّ شيءٍ، ولاسيّما في إغاثةِ المكروبِ وتقديمِ العونِ لكلِّ مَن يحتاجُ إليه، حتى لقد عُرفَ بذلك قبلَ البعثةِ وبعدهَا، ونحن نعلمُ قولَ السيدةِ خديجةَ فيه لمَّا نزلَ عليه الوحيُ وجاءَ يرجفُ فؤادُهُ:” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. (متفق عليه).
ولقد تضافرتْ النصوصُ النبويةُ التي تحثُّ على إغاثةِ المكروبين ومساعدةِ المنكوبين وتضميدِ جراحِ المكلومين، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. ». (متفق عليه)؛ وعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فقَالَ:” إِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَجْلِسُوا فَاهْدُوا السَّبِيلَ؛ وَرُدُّوا السلام؛ وأغيثوا الملهوف”. ( أحمد وابن حبان ).
فما أجملَ أنْ يسعى الإنسانُ في قضاءِ حوائجِ المسلمين وتفريجِ كروبِهم وتقديمِ يدِ العونِ لهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم). قال الإمامُ النوويُّ: “فيه فضلُ قضاءِ حوائجِ المسلمين ونفعِهم بما تيسرَ مِن علمٍ أو مالٍ أو معاونةٍ أو إشارةٍ بمصلحةٍ أو نصيحةٍ وغيرِ ذلك، وفضلُ السترِ على المسلمين، وفضلُ إنظارِ المعسرِ” (شرح النووي على مسلم).
ومِن هذه الفضائلِ- أيضًا- هذا الحديثُ العظيمُ الذي يرغبُ في قضاءِ الحاجةِ ومساعدةِ الآخرين وينشطُ المسلمَ لفعلِ الخيرِ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا ، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، شَهْرًا ؛ وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ , وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ.” (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما.)
إنّ للاعتكافِ أجرًا كبيرًا، كيف لا وقد فرَّغَ المسلمُ نفسَهُ لربِّه، وقطعَ علائقَهُ بالدنيا، لكنَّ الذي يقضِي حوائجَ الناسِ أعظمُ مِن المعتكفِ أجرًا. ولأجلِ هذا المعنى لمّا أمرَ الحسنُ رضي اللهُ عنه ثابتًا البناني بالمشيِ في حاجةٍ قال ثابتٌ: إنِّي معتكفٌ. فقال له: يا أعمشُ! أما تعلمُ أنّ مشيكَ في قضاءِ حاجةِ أخيكَ المسلمِ خيرٌ لك…”.
وهكذا حثَّ الإسلامُ على إغاثةِ الملهوفين والمكروبين، كما جاء في القرآنِ والسنةِ وأقوالِ سلفِ الأمةِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: إغاثةُ المكروبين صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ.
هذه صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ مِن حياةِ سلفِنَا الصالحِ في إغاثةِ المكروبين لنأخذَ منها العظةَ والعبرةَ:
فهذا رجلٌ مِن الأنصارِ يغيثُ جوعانًا فيؤثرُ ضيفَ رسولِ اللهِ ﷺ على نفسِهِ وعيالِهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي الجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلاَ رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لاَ تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ العَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ – أَوْ ضَحِكَ – مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].(البخاري).
وهذا عمرُ – رضي اللهُ عنه – كان يسعَى لخدمةِ العجزةِ والأراملِ والمقعدين وقضاءِ حوائجِهِم وإغاثتِهِم تطوعًا، فقد روى أبو نُعيمٍ في «حليةِ الأولياء» أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي اللهُ تعالى عنه خرجَ في سوادِ الليلِ فرآهُ طلحةُ، فذهبَ عمرُ فدخلَ بيتًا ثم دخلَ آخرَ، فلمَّا أصبحَ طلحةُ ذهبَ إلى ذلك البيتِ فإذا بعجوزٍ عمياءَ مقعدةٍ، فقالَ لهَا: ما بالُ هذا الرجلِ يأتيكِ؟ قالت: إنَّه يتعاهدُنِي منذُ كذا وكذا يأتينِي بما يصلحُنِي، ويخرجُ عني الأذَى، فقالَ طلحةُ: ثكلتْكَ أمكَ يا طلحة، أعثراتُ عمرَ تتبعُ؟!
وهذا عثمانُ – رضي اللهُ عنه – يسعَى إلى الجنةِ عن طريقِ إغاثةِ العطشَى والمكروبين مِن أهلِ المدينةِ، ” فإنَّ النبيَّ ﷺ قالَ مَن يشترِي بئرَ رومةَ يوسعُ بهَا على المسلمينَ وله الجنة؟ قال: فاشتراها عثمانُ بنُ عفانَ رضي اللهُ عنه مِن يهودِيٍّ بأمرِ النبيِّ ﷺ وسبلهَا للمسلمين، وكان اليهوديُّ يبيعُ ماءَهَا. وفي الحديثِ أنَّ عثمانَ رضي اللهُ عنهُ اشترَى منهُ نصفَهَا باثنَي عشرَ ألفًا، ثم قال لليهودِيِّ اخترْ إمّا أنْ تأخذَهَا يومًا وآخذهَا يومًا وإمّا أنْ تنصبَ لك عليها دلوًا وأنصبَ عليهَا دلوًا، فاختارَ يومًا ويومًا، فكان الناسُ يستقونَ منها في يومِ عثمانَ لليومين، فقال اليهوديُّ: أفسدتَ عليَّ بئرِي فاشترِ باقيهَا، فاشتراهُ بثمانيةِ آلافٍ ”. ( زاد المعاد لابن القيم ).
تخيلُوا يا عبادَ اللهِ أنَّهُ لا يوجدُ بئرٌ ولا ماءٌ للمسلمين غيرَ هذه، وكان عثمانُ قادرًا على احتكارِهَا وحدَهُ، ولكنهُ مثالٌ للتراحمِ والتعاونِ والتكافلِ، وإغاثةِ المكروبين لإنقاذِ البلادِ والعبادِ مِن المحنِ التي حلتْ بهِم، وتخيلُوا لو أنَّ هذه البئرَ في أيدِي أحدِ المحتكرين الجشعين وحدَهُ في هذا الزمانِ، ماذا كان يفعلُ بالمسلمين ؟!!
ومِن صورِ إغاثةِ المكروبين ما رواه زَيْدُ بْن أسلم، عَنْ أَبِيهِ، ” أنَّ عُمَرَ بْنَ الخطابِ طافَ ليلَةً، فإذا هُوَ بامرأةٍ فِي جوفِ دارٍ لها وحولهَا صبيانُ يبكون، وَإِذا قدرٌ عَلَى النارِ قَدْ ملأتْهَا ماءً، فدنَا عُمَرُ بْنُ الخطابِ مِن البابِ، فَقَالَ: يا أمةَ اللَّهِ، لمَ بكاءُ هَؤُلَاءِ الصبيان؟ فقالت: بكاؤهُم مِن الجوعِ، قَالَ: فما هَذِهِ القدرُ التي عَلَى النارِ؟ فقالت: قَدْ جعلتُ فيها ماءً أعللَهُم بها حتَّى يناموا، أَوْهمُهُم أنِّ فيها شيئًا مِن دقيقٍ وسمنٍ، فجلس عُمَرُ فبكَى، ثُمَّ جاء إِلَى دارِ الصدقةِ فأخذَ غرارةً، وجعل فيها شيئًا مِن دقيقٍ وسمنٍ وشحمٍ وتمرٍ وثيابٍ ودراهم، حتَّى ملأَ الغرارةَ، ثُمَّ قَالَ: يا أسلم، احملْ عليَّ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، أَنَا أحملُه عنك! فَقَالَ لي: لا أمِّ لَكَ يا أسلم، أَنَا أحملُهُ لأنِّي أَنَا المسئولُ عَنْهُمْ فِي الآخرةِ، قَالَ: فحملَهُ عَلَى عنقِه، حتَّى أتَي بِهِ منزلَ المرأةِ، قَالَ: وأخذَ القدرَ، فجعلَ فيهَا شيئًا مِن دقيقٍ وشيئًا مِن شحمٍ وتمرٍ، وجعلَ يحركهُ بيدهِ وينفخُ تحتَ القدرِ، قَالَ أسلم: وكانت لحيتُه عظيمةً، فرأيتُ الدخانَ يخرجُ مِن خلالِ لحيتِه، حتَّى طبخَ لهم، ثُمَّ جعلَ يغرفُ بيدهِ ويطعمهُم حتَّى شبعُوا، ثُمَّ خرجَ وربضَ بحذائهِم كأنّه سبعٌ، وخفتُ مِنْهُ أنْ أكلمَهُ، فلم يزلْ كذلك حتَّى لعبُوا وضحكُوا، ثُمَّ قَالَ: يا أسلم، أتدري لم ربضتُ بحذائِهِم؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين! قَالَ: رأيتُهُم يبكون، فكرهتُ أنْ أذهبَ وأدعَهُم حتَّى أراهُم يضحكون، فلمَّا ضحكُوا طابتْ نفسِي”. ( أسد الغابة لابن الأثير).
إنَّ إغاثةَ المكروبِ والملهوفِ لم تشملْ أفرادَ المسلمينَ فحسب، بل امتدتْ لتشملَ غيرَ المسلمينَ كذلك .
فقد كتبَ عمرُ بنُ عبدِالعزيزِ رحمَهُ اللهُ إلى عديِّ بنِ أرطاة – (أميرِ البصرة) – انظرْ مَن عندَك مِن أهلِ الذمةِ قد كبرتْ سنُّهُ، وضعفتْ قوتُهُ، وولَّتْ عنهُ المكاسب، فأجرِ عليه مِن بيتِ مالِ المسلمين ما يصلحُهُ، فلو أنَّ رجلًا مِن المسلمين كان له مملوكٌ كبرتْ سنُّهُ وضعفتْ قوتُهُ، وولَّتْ عنهُ المكاسبُ، كان مِن الحقِّ عليهِ أنْ يقوتَهُ حتى يفرقَ بينهما موتٌ أو عتقٌ، وذلك أنَّه بلغنِي أنّ أميرَ المؤمنين عمرَ بنَ الخطابِ مرَّ بشيخٍ مِن أهلِ الذمةِ يسألُ على أبوابِ الناسِ، فقال: “ما أنصفناكَ، أنْ كنّا أخذنَا منك الجزيةَ في شبيبتِكَ، ثم ضيعناكَ في كبرِكَ”، قال: ثم أجرَى عليهِ مِن بيتِ المالِ ما يصلحُهُ”. (الأموال؛ لأبي عبيد القاسم بن سلام).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: دعوةٌ إلى إغاثةِ المكروبين.
إنَّ قضاءَ الحوائجِ وإغاثةَ الملهوفِ وصنعَ المعروفِ للآخرين سبيلٌ إلى حسنِ الخاتمةِ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ”. ( الطبراني والهيثمي وقال: إسناده حسن). والمصرعُ: هو مكانُ الموت، فيقِي اللهُ مَن يحسنُ إلى الناسِ بقضاءِ حوائجهِم مِن الموتِ في مكانٍ سيءٍ أو هيئةٍ سيئةٍ أو ميتةٍ سيئةٍ.
لذلك كان الصالحون مِن هذه الأمةِ، إذا وجدوا فرصةً لنفعِ الخلقِ، وإغاثةِ ملهوفهِم، فرحُوا لذلك فرحًا شديدًا، وعدُّوا ذلك مِن أفضلِ أيامِهِم فللهِ درّهُم! كم شيدُوا مِن المكارِم؟! وكم بذلُوا مِن معروفٍ؟!
فهذا سفيانُ الثورِي رحمه اللهُ ينشرحُ إذا رأَى سائلًا على بابِه! ويقولُ: “مرحبًا بمَن جاءَ يغسلُ ذنوبِي”.
وكان الفضيلُ بنُ عياضٍ يقولُ:” نعمَ السائلون، يحملونَ أزوادنَا إلى الآخرةِ، بغيرِ أجرةٍ حتى يضعوهَا في الميزانِ”
لذلك كثرتْ أقوالُ السلفِ حولَ الحثِّ على فعلِ الخيرِ وقضاءِ الحوائجِ وإغاثةِ الملهوفِ، وتقديمِ يدِ العونِ والمساعدةِ للآخرين، يقولُ الحسنُ البصريُّ رحمه اللهُ: ” لأنْ أقضِي حاجةً لأخٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أصلِّي ألفَ ركعةٍ، ولأنْ أقضِي حاجةً لأخٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أعتكفَ شهرين”. وكان ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما يقولُ: لأنْ أعولَ أهلَ بيتٍ مِن المسلمين شهراً أو جمعةً أو ما شاءَ الله أحبُّ إليَّ مِن حجةٍ، وَلَطَبَقٌ بدرهمٍ أهدِيه إلى أخٍ لي في اللهِ أحبُّ إليَّ مِن دينارٍ أنفقهُ في سبيلِ اللهِ”. فهلّا اقتدينَا بهؤلاءِ الغرِّ الميامين في إغاثةِ الملهوفين وقضاءِ حوائجِ المحتاجين!
اقض الحوائجَ ما استطعتَ …………………….. وكن لهمِّ أخيكَ فارجْ
فلخيرُ أيــــــامِ الفـــــــــــــــــتَى ………………………. يومٌ قضَى فيه الحوائجْ
وهكذا كان الصالحون يتسابقون إلى قضاءِ الحوائجِ وفعلِ الخيراتِ؛ امثالًا لأمرِ ربِّ الأرضِ والسماواتِ.
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: كم حرمنَا أنفسَنَا مِن أبوابِ الخيرِ العظيمةِ يومَ انكفأنَا على ذواتِنَا، ولم نلتفتْ إلى المنكوبين والمحتاجين والمعسرين، أنّك لا تكاد تجدُ حيًّا مِن أحيائِنَا يخلو مِن معسرٍ بنارِ الديونِ يتلفعُ، أو مكروبٍ بسيطِ المدلهماتِ يتوجعُ، أومِن مصابٍ بلهيبِ الأسقامِ يتروعُ!! ومع هذا قليلٌ هم أولئك الذين أسعدَهّم اللهُ تعالى بقضاءِ حاجاتِ العبادِ، وإغاثةِ ملهوفهِم، والإحسانِ إلى ضعيفهِم.
إنَّ الذي يطلبُ العونَ قد يكونُ مظلومًا أو عاجزًا أو مكروبًا، وفي كلِّ الأحوالِ فإنَّ إعانتَهُ وقضاءَ حاجتِه فيها تفريجٌ لكربتِه، وفي مقابلِ ذلك تكفلَ اللهُ لمَن فرّجَ كربةَ الملهوفِ أنْ يفرجَ عنه كربةً مِن كرباتِ يومِ القيامةِ!!
فأين أنت أخي المسلم أختي المسلمة غدًا من ذلك الثوابِ العظيمِ؟!
فهل يعجزُكَ يا طالبَ الحسناتِ، أنْ تعينَ محتاجًا.. أو تغيثَ ملهوفًا؟!
أمّا سمعتَ بقصةِ ذلك الرجلِ، الذي كان يخففُ ويتجاوزُ عمَّن اقترضَ منه؟!
أتدري كيف كانت نهايةُ قصتِه؟! فلتسمعْ القصةَ مِن الصادقِ المصدوقِ ﷺ!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ؛ فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ”. [ البخاري ومسلم] وفي رواية للبخاري: « فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ !». فتأمل – هداني الله وإياك – كيف نال هذا الرجل؛ ذاك الثواب العظيم، مع قلة عمله!
إنّ الهدفَ مِن إغاثةِ الملهوفين والمكروبين هو جعلُ المسلمين جميعًا ذكورًا وإناثًا يشعرون بروحِ الجماعةِ الواحدةِ المرتبطةِ ببعضِهَا البعض ماديًّا ومعنويًّا، فهم كالفردِ الواحدِ وكالجسدِ الواحدِ، تسعدُ الأعضاءُ كلُّهَا بسعادتِه وتحزنُ لحزنِه، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(مسلم).
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ همَّ المهمومين وينفسَ كربَ المكروبين، ويقضِ الدينَ عن المدينين
وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ،،،
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف